الأوقاف

وزير الأوقاف: لن نستطيع أن نقضي على التشدد من جذوره حتى نقتلع التسيب من جذوره ، والتسيب والانحلال يُعد أكبر وقود للتطرف والغلو

  في ظل ما يحدث من جماعة الإخوان الإرهابية في الداخل ، وما يحدث من ربيبتها داعش في الخارج من أعمال يندى لها جبين الإنسانية ، فضلا عن الأديان والأخلاق والقيم الحضارية ، فقد طالعتنا بعض الصحف الرسمية ببعض ما ارتكبته داعش في كوباني وغيرها من فظائع قطع الرءوس ، رءوس الأطفال والكبار بلا رحمة ولا شفقة ولا إنسانية ، فضلا عن التنكيل والتمثيل بالجثث والرءوس ، لبث الرعب في قلوب الناس ، وحملهم على التسليم بلا مقاومة .

    وفي ظل مواجهتنا الدءوب المستمرة لكل هذا التطرف والتشدد والغلو الذي ربما لم تشهد البشرية في تاريخها مثله يخرج إلينا هدامون آخرون ، يغذون من حيث يشعرون أو لا يشعرون ، ومن حيث يقصدون أو لا يقصدون ، تلك النزعات الإرهابية ، وما يؤدي إليها أو يكسبها لونًا من التعاطف ، هؤلاء هم الذي يذهبون إلى الطرف الآخر من المعادلة ، أو الطرف الآخر من التطرف ، وهو التسيب ، والانحلال ، والخلاعة ، والمجون ، والشذوذ الفكري أو الأخلاقي الصادم الذي لا يمكن أن تتقبله قيمنا ، ولا أخلاقنا ، ولا حضارتنا ، ولا تربيتنا ، ولا ديننا ، فكل متدين غيور على دينه ووطنه معًا لا يمكن أن يقبل بالتطاول على الثوابت ، أو الدعوة إلى الإباحية أو العري أو التحلل ، تحت مسميات خداعة قد يكون ظاهرها موهمًا بالرحمة ، لكن باطنها من قبله العذاب .

     وإذا كان علماء النفس يقولون : إن لكل فعل رد فعل مساوٍ  له في النسبة ومعاكس له في الاتجاه ، فإننا نؤكد أن التطرف يولد تطرفًا مضادًا ، وأن الحياة الإنسانية قائمة على سنن عديدة ، منها : التنوع ، والتدافع ، يقول الحق سبحانه في تقرير سنة التنوع : ” وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ” ، ويقول سبحانه في تقرير سنة التدافع : ” وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ” ، فحمل الناس عنوة على دين واحد ، أو مذهب واحد ، أو مسلك سياسي أو اجتماعي أو فكري أو أيدلوجي واحد ، أمر غير وارد ، ولا يمكن تحقيقه لأنه عكس السنن الكونية ، وعكس طبيعة البشر ونواميس الكون والحياة ، ولم يستطع أي نظام في تاريخ البشرية أن يحققه.

      وإذا كان قبول الآخر أصلا من أصول ديننا ، فإنك حر ما لم تضر ، وحدود حريتك ينبغي ألا تتجاوز حرية الآخرين أو تعتدي عليها ، فضلا أن تحاول نسفها أو تسفيهها .

      وقد أكدنا مرارًا أننا لن نستطيع أن نقضي على التشدد من جذوره حتى نقتلع التسيب من جذوره ، فالإمعان في التسيب والانحلال يُعد أكبر وقود للتطرف والغلو ، يقولون لكل شيئ طرفان ووسط ، فإن أنت أمسكت بأحد الطرفين مال الآخر ، وإن أنت أمسكت بالوسط استقام لك الطرفان ، يقول الإمام الأوزاعي : ما أمر الله (عز وجل) في الإسلام بأمر إلا حاول الشيطان أن يأتيك من إحدى جهتين لا يبالي أيهما أصاب : الإفراط أو التفريط ، الغلو أو التقصير ، فمواجهة التطرف لا يمكن أن تتم أو تفلح أو تؤتي ثمارها بمحاربة التدين على الإطلاق ، فأفضل وسيلة لمحاصرة التطرف والقضاء عليه هي نشر سماحة الإسلام ، وبيان عظمة حضارته ، وسعة أفقه وقبوله للتنوع والاختلاف ، فإذا عرضت الإسلام بيسره وسماحته عرضًا صحيحًا على أي عاقل ، ثم عُرض عليه التشدد والغلو لا يمكن إلا أن يميل بفطرته التي فطر الله الناس عليها إلى جانب السماحة والتيسير ، الذي هو أصل في شريعتنا السمحاء .

      كما ينبغي أن نبتعد عن الفهم الخاطئ الذي ساد في فترات معينة من أن تجفيف منابع التطرف يقتضي تجفيف منابع التدين ، فإن هذا الفهم الخاطئ يزيد من حدة التطرف والتشدد والغلو ، وينميه ويغذيه ويجعل أرضه خصبة .

      وعلى أرض الواقع لا يستطيع أحد مواجهة التطرف والمتطرفين والقضاء على الإرهاب أو مواجهته فكريًا إلا إذا كان متدينًا تدينًا حقيقيًا ، فاهمًا لدينه فهمًا صحيحًا ، حتى لا يترك لهؤلاء المتطرفين أي مطعن يستغلونه في تهييج العامة والتأثير على عقولهم ، فأفضل الطرق لمواجهة التطرف هي الفكر الوسطي السمح ، والتمسك بصحيح الدين ، ومقاومة الفكر بالفكر والحجة بالحجة .

     كما نؤكد أن المساس بثوابت العقيدة والتجرؤ عليها وإنكار ما استقر منها في وجدان الأمة لا يخدم سوى قوى التطرف والإرهاب ، لأن الجماعات المتطرفة تستغل مثل هذه السقطات لترويج شائعات التفريط في الثوابت مما ينبغي التنبه له والحذر منه .

      ونؤكد أن الدين ليس كلأ مباحا يترك نهبًا لغير المؤهلين ، إنما يجب الرجوع  في قضاياه العقدية والفقهية إلى علمائه المتخصصين ، مع البعد عن إثارة القضايا المثيرة للجدل والمستفزة لمشاعر الخاصة والعامة ، فنحن أحوج ما نكون إلى جمع كلمتنا لدعم قضايا العمل والإنتاج وترسيخ مكارم الأخلاق .

اظهر المزيد

admin

مجلس إدارة الجريدة الدكتور أحمد رمضان الشيخ محمد القطاوي رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) تليفون (phone) : 01008222553  فيس بوك (Facebook): https://www.facebook.com/Dr.Ahmed.Ramadn تويتر (Twitter): https://twitter.com/DRAhmad_Ramadan الأستاذ محمد القطاوي: المدير العام ومسئول الدعم الفني بالجريدة. الحاصل علي دورات كثيرة في الدعم الفني والهندسي للمواقع وإنشاء المواقع وحاصل علي الليسانس من جامعة الأزهر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »